روى الترمذي (456) وغيره عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا ) وصححه الشيخ الألباني رحمه الله في صحيح الترمذي .
ومعنى الحديث :
قال النووي رحمه الله : في قوله - – ( غسل واغتسل ) : " روي غَسَلَ بتخفيف السين , وَغَسَّلَ بتشديدها, روايتان مشهورتان; والأرجح عند المحققين بالتخفيف..
, فعلى رواية التخفيف في معناه هذه الأوجه الثلاثة:"
أحدها: الجماع قاله الأزهري ; قال ويقال: غسل امرأته إذا جامعها.
والثاني: غسل رأسه وثيابه.
والثالث: توضأ .., والمختار ما اختاره البيهقي وغيره من المحققين أنه بالتخفيف وأن معناه غسل رأسه , ويؤيده رواية لأبي داود في هذا الحديث من غسل رأسه يوم الجمعة واغتسل . وروى أبو داود في سننه والبيهقي هذا التفسير عن مكحول وسعيد بن عبد العزيز .
قال البيهقي: وهو بين في رواية أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم عن النبي وإنما أفرد الرأس بالذكر; لأنهم كانوا يجعلون فيه الدهن والخطمي ونحوهما وكانوا يغسلونه أولاً ثم يغتسلون .
وأما قوله - - "وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ":
فاختلف أهل العلم في معناه على أقوال:
فقيل: أي: راح في الساعة الأولى و" ابتكر ": أدرك باكورة الخطبة، وهي أولها.
وقيل: "بكر" أي : تصدق قبل خروجه، وتأول فيه الحديث " باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطاها " .
وقيل : معناهما واحد كرره للتأكيد والمبالغة ، وليس المخالفة بين اللفظين لاختلاف المعنيين ..
قال المبارك فوري رحمه الله : " والراجح ـ كما صرح به العراقي ، أن "بكر" بمعنى راح في أول الوقت ، "وابتكر" بمعنى أدرك أول الخطبة " انتهى من "مرعاة المفاتيح " (4/472) .
ويؤيده ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ ) رواه البخاري(832) ومسلم (1403) .
قال الحافظ رحمه الله : " قَوْلُهُ : ( ثُمَّ رَاحَ ) زَادَ أَصْحَاب الْمُوَطَّأ عَنْ مَالِك " فِي السَّاعَة الْأُولَى " انتهى من "فتح الباري"
وقال النووي رحمه الله: " الْمُرَاد بِــ "الرَّوَاحِ": الذَّهَاب أَوَّل النَّهَار " انتهى من "شرح مسلم"
وينظر " معالم السنن " للخطابي (1/108) و " شرح السنة " (4/237) و " شرح المهذب " (4/416) وشرح " أبي داود للعيني " (2/167) .
وأما قوله " ومشى ولم يركب " :
قال النووي رحمه الله : " حكى الخطابي عن الأثرم أنه للتأكيد , وأنهما بمعنى .
والمختار أنه احتراز من شيئين :
أحدهما: نفي توهم حمل المشي على المضي والذهاب , وإن كان راكباً .
والثاني: نفي الركوب بالكلية ; لأنه لو اقتصر على " مشى " لاحتمل أن المراد وجود شيء من المشي ولو في بعض الطريق , فنفى ذلك الاحتمال , وبين أن المراد مشى جميع الطريق , ولم يركب في شيء منها .
وأما قوله " ودنا واستمع " فهما شيئان مختلفان ، وقد يستمع ولا يدنو من الخطبة , وقد يدنو ولا يستمع فندب إليهما جميعاً " . انتهى من "شرح المهذب" (4/416)
وقال المبارك فوري رحمه الله : " وفيه أنه لا بد من الأمرين جميعاً ، فلو استمع وهو بعيد ، أو قرب ولم يستمع ، لم يحصل له هذا الأجر " انتهى من مرعاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (4/472)
وقوله " ولم يلغ " معناه ولم يتكلم ; لأن الكلام حال الخطبة لغو, قال الأزهري : " معناه استمع الخطبة ولم يشتغل بغيرها ". ينظر " شرح المهذب " ( 4/416) .
وقال العيني رحمه الله: " واللغو قد يكون بغير الكلام كمس الحصى وتقليبه بحيث يشغل سمعه وفكره وفي بعض الأحاديث : ( ومن مس الحصى فقد لغا )
" انتهى من " عمدة القاري شرح صحيح البخاري "(10/26
منقووول