الفرق بين الشهادة والرواية:
"الأول: أن الرواية أقرب إلى حديث الناس من الشهادة فإن الشهادة تترتب على خصومة ويحتاج الشاهد إلى حضور مجلس الحكم ويأتي باللفظ الخاص الذي لا يحتاج إليه في حديث الناس ويتعرض للجرح فوراً، فمن جربت عليه كذبة في حديث الناس لا يترتب عليها ضرر فخوف أن يجره تساهله في ذلك إلى التساهل في الرواية أشد من خوف أن يجره إلى شهادة الزور.
الثاني: أن عماد الرواية الصدق معقول أن يشدد فيها يتعلق به ما لم يشدد في الشهادة وقد خفف في الرواية في غير ذلك ما لم يخفف في الشهادة، ثم تقوم الحجة بخبر الثقة ولو واحداً أو عبد أو امرأة أو جالب منفعة إلى نفسه أو أصله أو فرعه أو ضرر على عدوه كما يأتي بخلاف الشهادة، فلا يليق بعد ذلك أن يخفف في الرواية فيما يمس عمادها.
الثالث: أن الضرر الذي يترتب على الكذب في الرواية أشد جداً من الضر الذي يترتب على شهادة الزور فينبغي أن يكون الاحتياط للرواية آكد ...( )
الرابع: أن الرواية يختص لها قوم، محصورون ينشأون على العلم والدين والتحرز عن الكذب، والشهادة يحتاج فيها إلى جميع الناس لأن المعاملات والحوادث التي يحتاج إلى الشهادة عليها تتفق لكل أحد ولا يحصرها غالباً إلا أوساط الناس وعامتهم الذين ينشأون على التساهل، فمعقول أنه لوردت شهادة كل من جربت عليه كذبة لضاعت حقوق كثيرة جداً، ولا كذلك الرواية؛ نعم الفلتة والهفوة التي لا ضرر فيها ويعقبها الندم، وما يقع من الإنسان في أوائل عمره ثم يقلع عنه ويتوب منه وما يدفع به ضرر شديد ولا ضرر فيه وصاحبه مع ذلك مستوحش منه ربما يغتفر ... والله أعلم"
التنكيل/ للعلامة عبدالرحمن المعلمي (رحمه الله) (1/34-35).